منتدى الفلسفة ـ المدرسة العليا للأساتذة - فــــــــاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

درس الأخلاق الواجب

اذهب الى الأسفل

درس الأخلاق     الواجب Empty درس الأخلاق الواجب

مُساهمة  hager el fezazi الخميس مارس 18, 2010 2:16 pm

لا يخضع الإنسان في تصرفاته فقط للدوافع البيولوجية و الغرائز الفطرية كالحيوان ، و إنما يتصرف بضمير أخلاقي و يعمل بقيم سامية و مثل عليا ، وهذا ما يجعل منه كائنا أخلاقيا ، يَفْضُل الحيوانَ بمعرفته و عمله بالأخلاق . و الأخلاق نظام من القيم السامية التي يعتمدها الإنسان (كفرد أو جماعة ) كمبادئ و قواعد يسترشد بها لفعل الخير و يتجنب الشر سعيا لإسعاد نفسه و غيره . فالأخلاق إذا قوة يتحكم بها الإنسان في شهواته و ميوله ، و قواعد لعمل الخير . فالأخلاق إذا واجباتٌ ، و الإنسانُ مسؤولٌ عن القيام بها لإسعاد ذاته و غيره ، و هو لن يتحمل مسؤولية أفعاله إلا إذا كان حرًّا . فما الواجب ؟ و ما السعادة ؟ و ما الحرية ؟ إنها مفاهيم أخلاقية متمفصلة ، يتأكد من خلالها أن الإنسان ، ككائن أخلاقي ، هو كائن حر يعمل بالواجب لتحقيق السعادة ، فالواجب أساس الأخلاق ، و الحرية شرطها، و السعادة غايتها.



الواجب



يقول إريك فايل : " يشكل الواجب المقولة الأساسية و الوحيدة للأخلاق ." و كما أن للإنسان حقوقا ، فعليه واجبات ؛ فحقهم واجب عليه ، و حقه واجب عليهم . فما الواجب ؟ و هل الواجب إكراه أم قدرة ، إلزام أم التزام ؟ و هل الوعي الأخلاقي بالواجب فطري أم مكتسب ؟ و هل أساس الوعي به هو الطبيعة أم المجتمع ؟ و هل الواجب هو ما يفرضه علينا المجتمع أم يلزمنا به الانتماء للإنسانية ؟ هل الإنسان فرد في مجتمع أم عضو في المملكة الإنسانية ؟

الواجب هو ما يُلزم الإنسانُ أخلاقيا للقيام به استجابة لنداء الضمير، إنه ما يجد الإنسان نفسه مطالبا بأدائه طِبْقا أو احتراما ، كَرْها أو طوعا ، للعمل بالقيم الأخلاقية في حياته الاجتماعية دون تقصير أو تهاون ، لا نفاقا أو رياء و لا استجابة لمصلحة. فالواجب إذا هو احترام و عمل بالفضائل . و لقد اختلف الفلاسفة حول ما إذا كان الواجب هو ما نؤمر به و نُكْرَهُ على فعله أم ما نقدر على القيام به ؟

1)- هل الواجب إكراه أم قدرة ؟

يرى كانط (1724-1804) أن الأخلاق تقوم على الواجب ، و الإنسان مطالب بأداء الواجب لا طبقا للقانون الأخلاقي بل احتراما له ( أي أنه لا يسرق خوفا من عقاب القانون بل احتراما خالصا للقانون). و الواجب هو العمل بالقانون الأخلاقي الذي يفرضه العقل العملي و تعمل به الإرادة الخيرة لإقصاء الميول و التخلص من تأثيرها . فالإنسان بميوله يظل حيوانا ينتمي لمملكة الضرورة الطبيعية . و لن تكون الإرادة خيرة إلا إذا ارتبطت بالعقل و التزمت بقوانينه . فالواجب إذا هو ما يقره العقل و ما تعمل به الإرادة الخيرة من الفضائل . و الإنسان إذ يختار العمل بالقواعد الأخلاقية يكون ملزما على العمل بها للتحرر من سيطرة الميول الغريزية عليه . و بذلك تكون الأخلاق عند كانط أوامر قطعية مطلقة لا تراعي ظروفه و لا قدراته ، و يكون العمل بها قهرا و إكراها لميوله الطبيعية .

غير أن جان ماري غويو (1854-1888) ينتقد مفهوم الواجب كأمر مطلق ، مؤكدا أن الواجب ليس أمرا نُرْغَم على فعله بل قدرة ذاتية طبيعية و تلقائية على فعل عظيم مقدور عليه تتدفق به الحياة و تسمو . فالأخلاق في نظره ليست في أن يُلزَم المرء بما لا يستطيعه ، و إلا كُلِّفَ بما ليس في طاقته ، و في هذا ظلم له ، و ما فيه ظلم و قهر فهو متعارض مع الأخلاق . و لذلك فالواجب هو ما يكون باستطاعة المرء القيام به من أفعال عظيمة. و ما ليس باستطاعة الإنسان فعله فمعفى منه و ليس واجبا عليه و لا يعاقب على تركه ؛ و القيام بما في مقدوره لا يستحق عليه ثوابا . و بذلك يؤسس غويو أخلاقا بدون عقاب و لا ثواب ، لأن العمل بها يتلاءم مع طبيعة الإنسان . و يشبه غويو الواجب بازدهار النبتة ، فمن طبيعة النبتة أن تنمو ، و كذلك الواجب بالنسبة للإنسان ، إنه من طبيعته ، تلقائي فيه . فالواجب هو ما يتلاءم مع طبيعة الإنسان و ما يكون بقدرته القيام به من أفعال عظيمة و جليلة تتدفق بها الحياة و تمضي بها قدما ؛ فالحياة قد تُعطَّل إذا لم تكن القدرة على الفعل متناسبة مع الواجب . إن تصور غويو للواجب هو تصور طبيعي يتعارض مع التصورات الغيبية التي تعتبره أمرا قطعيا . فالواجب ليس شعورا بضغط بل شعور بقدرة على فعل عظيم ، و لم يعد الواجب إكراها خارجيا بل قدرة إنسانية فعالة .

2) – الوعي الأخلاقي بالواجب :

و سواء كان الواجب إكراها أو قدرة فإنه يشترط وعيا ، فما الوعي الأخلاقي بالواجب ؟ و هل هو فطري أم مكتسب ؟

الوعي عموما هو ملكة إنسانية للإدراك و التمييز ، و يميز الفلاسفة بين نمطين من الوعي : الوعي المعرفي و الوعي الأخلاقي ، فالوعي المعرفي هو تلك لقدرة العقلية التي يتم بها السعي للعلم بحقائق الذات و الواقع ؛ أما الوعي الأخلاقي فهو تلك الملكة العملية التي يتم بها التمييز بين الفضائل و الرذائل و العمل بالفضائل . و يطلق على هذا النمط من الوعي الضمير .

و يعتبر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712-1778) أن الوعي الأخلاقي هبة إلهية أودعتها الإرادة الإلهية في أعماق النفس الإنسانية ، بها نحب و نقدر على فعل الخير ، و بها نتميز و نسمو عن مرتبة البهائم ؛ إنها مرشدنا المضمون نحو الفضيلة و العاصم لنا من الشرور و الرذائل . و لا يحتاج الإنسان إلى بعثة رسل أو اطلاع على نظرية للإحساس بالواجب و محبة الخير ، فللإنسان وعي فطري بالخير و الشر ، يقول روسو :‘‘ كل ما أحسه شرا فهو شر ، و الضمير هو خير الفقهاء ’’ . و إذا كانت الدوافع البيولوجية تدفعنا للصراع و العنف ، فإن الضمير هو الذي يقربنا و يوحد بيننا ، فالحياة الاجتماعية لا تستقيم بالحاجة البيولوجية بل بالوعي الأخلاقي الفطري .

أما الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844-1900 ) فيعترض على أن يكون الوعي بالواجب أمرا فطريا . فالواجب في نظره هو نتيجة تاريخية لظاهرة المديونية التي اضطر إليها الضعفاء من الناس . و لقد اشترط الدائن على المدين شروطا التزم المدين بقبولها كواجبات عليه ، وهي أن يسدد الدَّيْن الذي عليه في وقته ، و إن عجز فيجوز للدائن القصاص منه بتعذيبه أو استعباده أو بتر عضو من أعضائه أو قتله كأسلوب لاسترداد الدَّيْن الذي في ذمته . فالواجب إذا هو نتيجة تعاقد بين الدائن و المدين ، فرض الدائن بموجبه شروطا قاسية و عنيفة و قًََبِلَ بها المدين . و لذلك لا يُعْقل تجاهل الشروط التاريخية التي سببت نشأة الوعي بالواجب . و عليه فالواجب هو ما أُكره عليه المدين من قبل الدائن في ظروف تاريخية . فلقد مَثَّل الواجب رغبة الأقوياء في إيذاء الضعفاء و الاستمتاع بممارسة العنف عليهم و احتقارهم . في هذا الشكل من الإلزام و الالتزام يكمن أصل الواجب و باقي القيم الأخلاقية . إنه ليس نتيجة إرادة خيرة بل نتيجة إرادة القوة ، إنه من صنع الأقوياء الذين خلقوا القيم الأخلاقية و وضعوا القوانين و حددوا معنى الخير و الشر ، إنه ما يتم به إخضاع واستعباد الضعفاء .

3)- الواجب و المجتمع :

ليس هناك إنسان في ذاته كما يقول كانط ، فالإنسان كائن ينتسب لمجتمع معين و في نفس الوقت ينتمي للإنسانية ، فهل الواجب لديه اجتماعي أم إنساني ؟ و هل مصدره المجتمع أم منبعه الإنسانية ؟ و هل الإنسان ملزم بواجبات نحو مجتمعه فقط أم بواجبات نحو الإنسانية جمعاء ؟ ألا يؤدي ربط الواجب بالمجتمع إلى إضفاء طابع النسبية و التغير عليه نظرا لاختلاف المجتمعات و تباينها عبر الزمان و المكان ؟

الإنسان كما يرى عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم (1858- 1915) كائن اجتماعي يتشرب عن طريق التنشئة الاجتماعية القيم و المبادئ الأخلاقية لمجتمعه كواجبات يكره على العمل بها و السلوك وفقها . فالواجبات كمبادئ اجتماعية تخترق وجداننا الباطني و تستقر فيه كمبادئ منظمة للسلوك . فمصدر الواجب إذا هو المجتمع ، و بذلك ينفي دوركهايم أن يكون مصدره غيبيا أو أسطوريا . يقول دوركهايم : ‘‘ فضميرنا الأخلاقي لم يَنْتُج إلا عن المجتمع و لا يُعَبِّر إلا عنه ، و إذا تكلم ضميرنا فإنما يردد صوت المجتمع فينا ’’. فالواجب سلطة اجتماعية قاهرة مكتسبة و ليست فطرية .

ربط الواجبات بالمجتمع يجعلها نسبية ، مختلفة من مجتمع لآخر ، و متغيرة من فترة لأخرى . و كما أن تَشَرُّبَ القيم الاجتماعية و التشبث بها و الاعتقاد في إطلاقيتها ربما يؤدي إلى الانغلاق و معاداة المختلف اجتماعيا و أخلاقيا و الطعن في ثقافته ، و بذلك تتحول الواجبات الأخلاقية من فضائل اجتماعية إلى رذائل و شرور تضر بالإنسانية .

و هذا هو الأمر الذي سعى الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (1859-1941) لتجاوزه ، فهو يعتبر الواجب ليس اجتماعيا فقط بل إنسانيا أيضا . و كما أن على الإنسان واجبات نحو مجتمعه فعليه أيضا واجبات نحو الإنسانية . فالإنسان فرد في مجتمع ، و عضو في الإنسانية . و لذلك فالواجب ليس محصورا في احترام قيم المجتمع و العمل بقوانينه بل في احترام إنسانية الإنسان و الانفتاح على مختلف الحضارات و الاستفادة منها لبناء عالم منفتح تتلاقح فيه الأفكار و تغتني فيه الثقافات و تتعاون فيه الإرادات وتتحاور فيه الأديان و يسود فيه التسامح و تتوطد فيه علاقات السلام و تسعد فيه الأمم . و بذلك يكون الواجب هو الانفتاح على الإنسانية بدل الانغلاق في قضايا المجتمع المحلية . و عليه فليس الواجب اجتماعيا فقط بل انساني أيضا .
hager el fezazi
hager el fezazi

عدد المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى