منتدى الفلسفة ـ المدرسة العليا للأساتذة - فــــــــاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

درس الحرية

اذهب الى الأسفل

درس الحرية Empty درس الحرية

مُساهمة  hager el fezazi الخميس مارس 18, 2010 2:01 pm

الحرية



الحرية مطلب و شعار إنساني ، تدعي الأنظمة السياسية الحاكمة تطبيقه ، و تناضل المنظمات الحقوقية و القوى السياسية التقدمية و التحررية من أجله إحقاقه . و لقد ظلت الحرية على مَرِّ التاريخ البشري قضية صراع ، اتفق حولها كقيمة و حق ، لكن اختلف حول مضمونها و طرق تطبيقها . و هذا ما جعلها مفهوما مُلتبسا بل و معضلة سياسية و أخلاقية ، احتار و اختلف الفلاسفة ورجال السياسة حولها و راح ضحية النضال من أجلها رجال . فما الحرية ؟ و هل الإنسان حر في أفعاله أم أنه خاضع لقوى خارجة عن إرادته (عوامل طبيعية شروط اجتماعية و مشيئة إلهية ) ؟ و ما الإرادة ؟ و هل الإنسان حر لفعل ما يريد أم أنه حر فقط في حدود ما تسمح به قوانين المجتمع ؟ و هل القانون ضامن للحريات أم تضييق عليها ؟ و هل وُضِع القانون لصيانة الحريات أم لمنعها ؟ و هل في الخضوع للقانون نفي للحرية ؟ و هل في ممارسة الإنسان لحريته خرق و تجاوز للقانون ؟ هل حرية الإنسان في تمرده على القانون أم في العمل به ؟ من أين تستمد الحرية مشروعيتها : من الإرادة أم من القانون ؟ و هل الحرية هي ما يتضمنه القانون أم ما تستطيعه الإرادة ؟ و هل هو فاعل بحسب الإرادة أم الواجب ؟

يميز الفيلسوف الألماني ليبنتز (1646-1716) بين الحرية كحق وبين الحرية كممارسة ،( ففي النظام العبودي ليس للعبد الحق في الحرية ، لكن السيد له الحق في الحرية كما له الحق في ممارستها . و تقوم الحرية على قدرة الإرادة على فعل ما يجب القيام به . و يميز أيضا هوبز بين الحرية الطبيعية التي تقوم على الحق في استعمال القوة للحفاظ علي الحق في الحياة و هي حرية تؤدي إلى الفوضى ؛ و الحرية المدنية التي تمارس وفق القوانين التعاقدية الضامنة لحق الفرد شريطة ألا يضر ذلك بحقوق الغير .

الحرية عموما حق الإنسان في فعل أمر أو تركه دون أن يتعرض لعقوبة و دون أن يعرض حياة غيره لخطر . فهل فعل من هذا النوع ممكن في غياب الأخلاق و الدولة ؟ يرى البعض أن الحرية ليست في أن يفعل الشخص ما يريد بل في أن لا يُكْرَه على فعل ما لا يريد . و يرى البعض الآخر في أنها هي القدرة الذاتية على التخلص من التبعية و تحويل العوامل المتحكمة فيه إلى عوامل يتحكم فيها .

1)- الحرية و الحتمية :

يرى البعض أن الحديث عن الحرية لا يستقيم إلا بالحديث عن نقيضها أي عن الجبرية و الحتمية . فما الحتمية ؟ و ما الجبرية ؟ فالحتمية اتجاه علمي يؤكد أن لكل ظاهرة أسباب، و أنه كلما توفرت نفس الأسباب حصلت بالضرورة نفس الأسباب ، فالحتمية نفي للصدفة و الفوضى و تأكيد على وجود نظام صارم . أما الجبرية فاتجاه ديني ينسب كل شيء للذات الإلهية و تنفي عن الإنسان كل قدرة عن الفعل ، فالفاعل الوحيد الحق هو الله ، و الإنسان مسير . و إذا كانت الاتجاهات الدينية في القرون الوسطى قد نظرت إلى الحرية كفعل إنساني في علاقته بالإرادة الإلهية ، فإن العلوم الإنسانية كشفت عن الشروط الواقعية ( البيولوجية و النفسية اللاشعورية و الاجتماعية ) المحددة لسلوك الشخص و حريته . و في هذا الإطار نجد الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد (1126-1198) ينتقد الجبرية. فالجبرية تؤكد خضوع الإنسان للمشيئة الإلهية و تنفي توفره على أية قدرة على الفعل ، فالله هو وحده الفاعل و لا فاعل سواه . أما ابن رشد فيبين أن الله تعالى خلق الإنسان في عالم ، فوهبه قدرات ذاتية على الفعل و الترك ، وجعل للعالم نظاما . فأفعال الإنسان إذا مشروطة بالنظام الذي أوجده الله في الكون ، و بالفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها . و الإنسان ليس مسؤولا عن تصرفاته إلا لأنه حر ، و هو ليس حرا في تحدي الإرادة الإلهية و خرق النظام الكوني . إن الحرية عند ابن رشد مشروطة بنظام من الأسباب التي خلقها الله في أبداننا و التي أوجدها في العالم الخارجي . و عليه فالحرية هي قدرة الإنسان الذاتية على إتيان أفعاله في توافق و انسجام مع نظام الكون و نظام الذات .

وفي نفس السياق و لكن من وجهة نظر مخالفة ينتقد ميرلوبانتي الفيلسوف الفرنسي (1908-1961) موقف الفلسفة الوجودية و تصور العلوم الإنسانية الوضعية . فالفلسفة الوجودية ترى أن الإنسان ليس فقط كائنا حرا بل إنه كائن محكوم عليه بالحرية ، و أنه يتحدد طبقا لما يفعله بحرية . إنه حر في الأصل و الماهية ، و الظروف هي التي زَيَّفَتْ أصالة وجوده . و العلوم الإنسانية تعاملت مع الإنسان لا ككائن في ذاته كما تصورته الفلسفات المثالية بل ككائن في وضع تحكمه عوامل بيولوجية ، و توجهه دوافع نفسية لاشعورية ، و تشرطه إكراهات اجتماعية . فالعلوم الإنسانية حولت الإنسان إلى آلة مبرمجة ، و أفقدته ذاتيته و فاعليته . فالحرية كما يراها ليبنتز وَهْمٌ ، فنحن في الواقع خاضعون لحتميات تشرط كل سلوكاتنا ، غير أن جهلنا بالأسباب هو ما يجعلنا نتوهم أننا أحرار . غير أن ميرلوبانتي يؤكد من خلال نقده أن الإنسان حر في موقف (وضع) ، و أن حريته في قدرته على تحويل العوامل المتحكمة فيه إلى عوامل هو الذي يتحكم فيها و يوظفها لتحقيق اختياراته في حدود ما تسمح به الشروط . فالإنسان قادر على تعديل شروط وجوده لبناء ذاته و تحديد مصيره ، و بذلك تصير الحرية تحررا أي فعلا يمارسه الإنسان في وضع لبناء ذاته و تغيير و تعديل شروط ظروفه . فهل حريته في فعل ما يريد ؟

2)- الحرية و الإرادة :

إذا كان رجال اللاهوت تأملوا الحرية في علاقاتها مع المشيئة الإلهية ، و العلوم الإنسانية سعت إلى الكشف عن العوامل الموضوعية المتحكمة في السلوك الإنساني ، فإن فلاسفة عصر الأنوار ربطوا بين الحرية و الإرادة . الإرادة هي ملكة الفعل الحر و القدرة على انجازه . و يشترط التخلص من الضرورة وجود إرادة حرة . فما علاقة الحرية بالإرادة ؟ و هل حرية إرادته في مسايرة ميوله الطبيعية أم في التحكم فيها ؟

يميز كانط (1724-1804) بين نوعين من الموجودات : الكائنات الطبيعية التي تستعمل كوسائل يتم استغلالها ، و الكائنات الإنسانية التي ينظر إليها كقيمة أخلاقية تستحق التقدير و الاحترام لأنها كائنات عاقلة و حرة . و الحرية خاصية لكل كائن عاقل له إرادة ، فهو حر لأن له إرادة . و يعرف الحرية بأنها ‘‘ استقلال الإنسان عن أي شيء إلا القانون الأخلاقي .’’ فحرية الإرادة تتجلى في قدرة الإنسان على السيطرة إلى ميوله و نزواته الطبيعية التي تهبط به إلى مصاف الحيوانات ، و العمل بمقتضى القانون الأخلاقي الذي يُسَطِّرُه العقل . إن حرية الإرادة عند كانط هي إرادة خيرة تعمل بالواجب الأخلاقي لا وفق الضرورة الطبيعية . فحرية الإرادة ليست في الخضوع للميول و الشهوات الطبيعية بل في العمل بما يفرضه عليه العقل من قوانين أخلاقية . فمجال حرية الإرادة هو الأخلاق ، أي في فعل الخير . فالإنسان حر في فعل الخير و العمل بالفضائل لا في فعل الشر و الرذائل . و أن مسايرة الأخلاق اختيار لكن مسايرة الميول ضرورة .

أما الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844-1900) فيعتبر الأخلاق غريبة عن الحياة ، لأنها تُوهِمُ بوجود عالم لا وجود له ، وأنها بحث عن الكمال خارج الحياة الواقعية ، فالحياة فعل و قوة لا أخلاقٌ . و ليست القيم الأخلاقية في نظره سوى أوهاما و حِيَلاً اخترعها الضعفاء من الناس لمواجهة الأقوياء في الصراع من أجل الحياة خدعوا بها الأقوياء كما خدعوا بها أنفسهم . فالأخلاق خدمةٌ لمبادئ غريبة عن الحياة . و هذا ما جعل إرادة الضعفاء إرادة عدم تزهد في الحياة و تتنكر لها . لقد صارت البشرية عبيد أوهام اخترعوها لإفساد الحياة . و عليه فإن نيتشه يدعو للتحرر من تلك الأوهام بإرادة الحياة التي هي إرادة القوة . إن إرادة الحرية هي إرادة القوة لا إرادة الخير . و التحرر لا يكون بالزهد في الحياة و إنكارها، لأن الزهد يمنع الإنسان أن يكون إنسانا على الأرض . و عليه فإن الحرية هي التخلص من قيم الزهد في الحياة التي انتشرت مع الكنيسة المسيحية وكل الاتجاهات اللاهوتية .

و إذا كانت الحرية عند كانط في انتصار المبادئ الأخلاقية ، فإن الحرية عند نيتشه هي انتصار الميول الطبيعية .

3) – الحرية و القانون :

الإنسان في نظر أنصار العقد الاجتماعي ولد حرا ، وحريته في ممارسة قوته الطبيعية التي تصطدم بقوة أخرى ، و ينشأ عن ذلك حالة حرب يفقد فيها الإنسان أمنه و حريته و حياته . و لذلك كانت الضرورة تقتضي وضع حد لحالة الحرب و الخروج من حالة الطبيعة بقيام دولة تصدر قوانين . فما القانون ؟ و هل القانون وضع لحماية الحريات أم لمنعها ؟ وهل حرية الإنسان في استعمال قوته الفردية أم في لجوئه إلى القوة العمومية التي تحميه ؟ القانون إلزام و الحرية اختيار، فكيف يمكن المواءمة بين القانون و الحرية ؟ و هل الحرية عمل ضد القانون أم عمل في إطار القانون ؟ و هل القانون إجراء لتعطيل الحريات أم إطار لممارستها ؟ ألا يجعل القانون الحرية نسبية لأنه يحميها و في نفس الوقت يحدها ؟ و هل الإنسان خارج القانون حر ؟

يربط الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو(1689-1755) بين الحرية و النظام السياسي الديمقراطي القائم على فصل السلطات . فالحرية في نظره ليست في أن يفعل المواطن ما يريد بل هي أن يعمل ما تجيزه له القوانين العادلة . فمهمة القوانين هي تنظيم العلاقات بين الناس في المجتمع لضمان الحريات . فالحرية هي في احترام القانون و العمل به ، و أن لا حرية خارج القانون . لكن ألا يؤدي الالتزام بالقانون إلى نفي الحرية ؟

و ترى الفيلسوفة الألمانية الأصل حنا أرندت (1906-1975) أن الحرية ليست مسألة أخلاقية باطنية بل إنها مسألة سياسية تتعلق بنظام يعمل على تعايش الحريات و يوفر إمكانيات الفعل و التفكير و التعبير . فالحرية نشاط واع يمارسه المواطنون في ظل نظام سياسي للمطالبة بحقوقهم ورفع الغبن و القهر عنهم . و الإنسان لا يعي حريته بذاته بل في علاقاته مع غيره و مع مؤسسات الدولة بالانتظام في مؤسسات المجتمع المدني لمنع هيمنة الدولة على المجتمع و وضع حد لكل إمكانية التسلط . و بذلك تتحول الحرية إلى تحرر أي إلى حركة واعية و متواصلة لتنظيم العلاقات بين السلط لتعمل كل سلطة في مجال اختصاصها على حماية الحريات كحق سياسي .

الحرية إذا حق يرتبط بالأخلاق و تنظمه القوانين و يشرف على حمايته نظام سياسي عادل .
hager el fezazi
hager el fezazi

عدد المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى