الشخص
صفحة 1 من اصل 1
الشخص
الوضع البشري هو مجموع الشروط القبلية الكلية التي تحدد وجود الإنسان وتجعل منه شخصا وليس شيئا من جهة ، وتفرض عليه التعايش مع الغير من جهة أخرى ، و يجعل منه كائنا تاريخيا يحمل ماضيه و يسعى لبناء مستقبله ؛ و يتميز هذا الوضع بالتعقيد والغموض . فما الشخص ؟ وما الغير ؟ و ما التاريخ ؟
فما الشخص ؟ وأين تكمن هويته ؟ وما الذي يحدد قيمته ؟ وهل هو كائن يخضع لضرورات أم أنه شخص يمارس حرياته ؟
يؤكد الفيلسوف الفرنسي باسكال ( 1623-1662) أن تعريف الشخص ليس مسألة بديهية كما يتبادر إلى الذهن ، وإنما هو مفهوم إشكالي . وليس الشخص فكرة مجردة بل هو هذا الكائن الواقعي الحي الموجود في هذا العالم . ولا تقال لفظة شخص إلا على الإنسان وحده دون غيره من الكائنات التي تؤثث معه هذا الوجود . والإنسان شخص ويتمتع بعدة شخصيات ، واللفظتان معا مشتقتان من جذر واحد وهو كلمة personne : التي تشير إلى القناع الذي يضعه الممثل المسرحي ليتناسب مظهره مع دوره فوق الخشبة . وتتعدد الشخصيات بتعدد الأدوار ، ويظل الشخص واحدا . فالشخصية موضوع العلوم الإنسانية ويقصد بها مجموع الخصائص التي تميز الفرد في كل مرحلة من مراحل حياته. وإذا كانت الشخصية متغيرة مع الزمن ، فان الشخص هو موضوع التأملات الفلسفية وهو جوهر الإنسان الدائم . ويقصد بالشخص هذا الفرد الواقعي الواعي ، الحر، المسئول أخلاقيا وقانونيا عما يصدر عنه من تصرفات ، يمتلك إرادة و استقلالا ذاتيا و طموحات ، ويتميز بالقدرة على التعالي بذاته و تجاوز وضعه و ظروفه ، يستحق الاحترام والتقدير و لا يجوز معاملته معاملة الأشياء لأنه غاية في ذاته ؛ له حقوق يجب عليه صيانتها وواجبات عليه القيام بها . وأن يكون الإنسان شخصا هو إن يكون متميزا عن غيره أي له هوية ، فأين تكمن هوية الشخص ؟
1) الشخص و الهوية
الهوية هي ما يكون أو يظل به الشخص هو هو ، متطابقا مع نفسه ، متميزا و مستقلا عن غيره و واحدا في ذاته . ويطابق باسكال (1623_1662) بين الشخص و الأنا ، ويرى أن الأنا له صفات وهو مصدر أفعاله ، وليس الأنا هو الأفعال والصفات ، إذ إن الصفات والأفعال متعددة، متغيرة ، زائلة و قد تكون مُتَصَنَّعَة ، على حين أن الأنا واحدة تمثل حقيقة الإنسان وجوهره . وعليه فهوية الإنسان ليست في أفعاله وصفاته ، وإنما في جوهره الذي هو الأنا أي تلك اللفظة التي ينطق بها ويؤكد بها وجوده و يتبث بها تميزه ويعبر بها عن استقلاله . إنه حامل الصفات و مصدر الأفعال دون أن يكون هو هي و لا هي هو ، فزوال الصفات وتغير الأفعال لا يؤدي إلى فناء الذات .
أما جون لوك الفيلسوف الإنجليزي التجريبي (1632_1704) فيعرف الشخص بأنه الكائن العاقل القادر على تعقل الأشياء و تأمل ذاته. و يحدد هوية الشخص لامن خلال جوهره ، وإنما من خلال شعوره بما يصدر عنه من أفعال ، فهو إذن يستدل على هوية الشخص من خلال أفعاله الفكرية . فالشعور عنده هو أساس العمليات الفكرية، وأنه لاينفصل عنها وملازم لها ، و ليس الشخص كائنا مفكرا إلا لأنه يشعر أنه يفكر ، و أنه لا يُتَصَوَّر عمل فكري في غياب الشعور . و لذلك فإن الشعور ضروري و أساسي للفكر ، يصاحب على الدوام العمليات الفكرية . والذاكرة كفعل شعوري هي القدرة على استرجاع العمليات الفكرية الماضية التي يكتشف بها الإنسان أنه اليوم هو نفس الشخص البارحة رغم تغير أفعاله وأحواله و ظروف حياته .
على خلاف ذلك يرجع الفيلسوف الألماني شوبنهاور (1788-1860) هوية الشخص للإرادة لا للشعور لأنها منبع و مصدر كل الأفعال و سابقة على كل شيء. والشعور تابع بل مشروط للأفعال، والفعل متناه والإرادة لامتناهية وأن الشعور يتعب ويغفو بل ويتعرض للفقدان و يتغير بتغير الأفعال ، وهو كالذاكرة يبتلعه النسيان و يتعرض للزوال كليا أو جزئيا نتيجة تقدم العمر أو المرض أو العياء أو إصابة في الدماغ أو الحمق.. . والشخص لا يفعل بالشعور ، فالشعور ذاته يحتاج إلى إرادة ، لأنه أداة من أدواتها لا يشتغل إلا بها ، فهوية الشخص إذا هي إرادته . والإرادة جوهر الشخص و نواة وجوده ، والقوة التي بها يفعل ، والتي بها يضمن حياته وبقاءه . يقول شوبنهاور " إن الإرادة تسبق كل شيء ."
إن الإرادة والشعور كلاهما يمثل هوية الشخص ، فهوية الشخص مركبة من إرادة هي مصدر الأفعال ، وشعور هو وسيلة الإدراك والنمو . والشخص ليس فاعلا بدون إرادة ولا هو عارف ومجدد بدون شعور. إن هوية الشخص تتوقف على الإرادة و تشترط الشعور .
2) الشخص قيمة
ويستمد الشخص قيمته من هويته ، ويقصد بالقيمة ما به يحظى الشخص بالاحترام والتقدير، وليس الشخص قيمة فقط بل هو قيمة القيم إن لم يكن هو مصدر القيم . ويبرهن الفيلسوف الألماني كانط (1724-1804) على قيمة الشخص من خلال مقابلته الشخص بالأشياء . فكانط يميز بين نوعين من الموجودات : الشخص والشيء . والشيء مجرد وسيلة يمكن استعمالها و استبدالها حسب الأهواء والميول لإشباع الحاجات . فقيمة الشيء إذن راجعة إلى استعماله و استغلاله لا إلى ذاته، وهي بذلك قيمة نسبية مشروطة بالميول و الحاجات . وأن قيمة الأشياء كمية إذ تقدر بسعر(ثمن) . فالأشياء تعامل وفق المصالح والحاجات ، أما الأشخاص فالواجب التعامل معهم بحسب ما تفرضه الأخلاق، فالشخص قيمة أخلاقية مطلقة لأنه إنسان يمتلك العقل والإرادة ويحظى بالحرية ، والواجب الأخلاقي يحتم معاملته كغاية في ذاته واحترامه كقيمة مطلقة ما دام إن الانسانية تجتمع في كل شخص، و أن احترام الشخص هو احترام للإنسانية جمعاء .
أما الفيلسوف الفرنسي المعاصر جورج غوسدروف (1912-2000) فيري أن قيمة الشخص في كماله وسموه الأخلاقيين . و ليس الشخص كاملا في ذاته وإنما كماله بما يحققه في حياته الاجتماعية بما يبذله من جهد تضامني يكون به في خدمة أفراد الجماعة . فالشخص في ذاته وهم ؛ أما الشخصُ حقيقة فهو الذي ينتمي لجماعة يكتسب قيمها ويسعى لتطبيقها باحترام و يعمل على إسعاد غيره وإسعاد ذاته . وبذلك يكون كمال الشخص ليس نقطة بداية بل نقطة وصول ؛ وقيمة الشخص هنا ليست ممنوحة له مجانا من قبل غيره ، وإنما هي قيمة يكتسبها بجهود تضامنية يتجاوز بها أنانيته وعزلته . فالشخص إذا ليس قيمة في ذاته و إنما بمساهمته الخيرة في الحياة الاجتماعية .
3) الشخص بين الحرية و الضرورة
انتماء الشخص للوضع البشري يجعله كائنا خاضعا لضرورات ومحكوم بحتميات . فما هي هذه الضرورات التي يخضع لها الشخص ؟ وهل هاته الضرورات تنفي حريته ؟ فما الضرورة ؟ وما الحرية ؟ وهل الضرورة إلغاء للضرورة ؟ وهل الحرية تجاهل للضرورة ؟ أليست الضرورة تنظيما للحريات؟ أوليست الحريات تجديد وتغيير للشروط الضرورية ؟
ترى العلوم الإنسانية أن الشخص كائن مثل غيره من الكائنات الطبيعية محكوم بعوامل مادية تشرط جميع تصرفاته . وأهم هذه النظريات : السلوكية، التحليل النفسي وعلم الاجتماع . ترى السلوكية أن الشخص كائن له جهاز عصبي تصدر عنه استجاباتٌ نتيجة مؤثرات خارجية. فالمؤثرات هي عوامل تشرط كل سلوكاته ، وكلما توفرت تلك المؤثرات لزمت عنها نفس الاستجابات بحيث يمكن التنبؤ بسلوكات الشخص والتحكم فيه . وعليه فالشخص آلة مبرمجة بنظام بيولوجي ، ويمكن توجيهه و التحكم فيه .
أما التحليل النفسي لفرويد ، وان اختلف مجال بحثه ، فانه يؤكد أن الشخص جهاز نفسي يتألف من 3 قطاعات هي : الهو، الأنا والأنا الأعلى . تشير الهو إلى القوة النفسية اللاشعورية المتحكمة في كل السلوكات الواعية و الموجّْهة لها. و الأنا تمثل مجموع العمليات العقلية و الإرادية الواعية التي تجد أساسها في الهو. أما الأنا الأعلى فيمثل سلطة و قيم المجتمع الدينية و الأخلاقية التي تعمل كمستشار أخلاقي للأنا . إذا فالأنا لا يتصرف بحرية و إنما تحت ضغط عوامل خارجة عن إرادته و وعيه هي عوامل نفسية لاشعورية.
وتتصور السوسيولوجيا الشخص كائنا اجتماعيا لا حياة له إلا في مجتمع . و يعمل المجتمع عن طريق مؤسساته التربوية على تنشئة الأشخاص بزرع قيمه الثقافية فيهم بحيث أن كل الشخص لا يتصرف إلا وفق إرادة المجتمع ، فهو لا يتكلم ولا يفكر ولا يرغب ولا يلعب و لا يحلم ولا يتعبد إلا وفق ما يلزمه به النظام الثقافي لمجتمعه .
وإذا كانت النظريات العلمية بمختلف وجهات نظرها تصورت الشخص كائنا خاضعا لضرورات بيولوجية ونفسية واجتماعية ، فان الفلسفة الوجودية كما يمثلها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر(1905-1980) يبين أن الشخص مشروع أي كائن يختار مستقبله بوعي ويعمل على صنعه بحرية . فالشخص ليس هو الكائن وإنما هو ما سيكون في المستقبل . فالإنسان " يصير شخصاً " بما يختاره بوعي وبما يقوم به من أنشطة قصدية . ويختلف الإنسان عن الأشياء في كونه موجودا لذاته إذ يصنع ماهيته بحرية . يقول سارتر : " إن الإنسان لا يأتي إلى الوجود كموضوع في زمان ومكان بل كنشاط مستمر للحرية ". فالشخص ليس سجين الوضع لأنه حقل من الإمكانات يختار إحداها بشكل ذاتي ويعمل على تحقيقها للمستقبل . انه لا يستسلم للشروط ولا يتركها تتحكم فيه بل يسعى للتحكم فيها لبناء ذاته بالتعالي عليها وفق مشروع من اختياره وعمله . فالشخص إذا ليس محكوما بماضيه ، و إنما رهين مستقبله . ولو كان مقيدا بالماضي لما كان بإمكانه اختيار مستقبله ، وهو إذ يختار ما سيكونه فإنه يعدم ماضيه و يتجاوز وضعيته .
أما الفيلسوف إيمانويل مونيي(1905-1950) رائد الشخصانية في فرنسا ، فإنه اعتبر أن الشخص ليس كائنا مجردا بل هو هذا الفرد الواعي الحر المتعين الذي يحيا في هذا العالم و يتشرب قيمه و يخضع لقوانينه . و لذلك فالشخص كائن حر في وضع طبيعي و بشري ، فلا ضرورات الوضع تلغي الحرية و لا الحرية تتجاهل الضرورات . و عليه فالعلاقة بين الحرية و الضرورة هي علاقة تلازم لا علاقة تعارض ، بحيث تكون ضرورات الوضع شروطا مُنَظِّمَة و محددة للحريات لا نفيا لها ، و تكون الحرية أنشطةً تُمارس بوعي و فاعلية في ظل تلك الشروط . فالشخص مُلْزَمٌ بالقبول بضرورات الوضع لا للخضوع لها و الاستسلام لسلطتها بل للارتكاز عليها لاعتمادها أساسا لتحديد اختياراته و ممارسة حرياته و بناء ذاته . إنه كائن يتشخصن في ظل ظروف يحولها من عوامل معيقة إلى شروطا تسمح له ببناء ذاته . و بهذا تكون حرية الشخص مُبَادَرَةٌ أي فعل واع و مُنَظَّم يتفتح به على الكون و الإنسانية ، يملأ به وجوده الذاتي ويزدهر به المجتمع وتنتظم به الحياة و يحقق به قيمته ... و هذا أمر غير ممكن إلا بالقدرة على الاختيار و الاستطاعة على تخطي الحواجز و التضحية من أجل قيم رفيعة تلبية لنداء روحي و استجابة لرسالة إنسانية . إنها الفعل الذي به تشخصن الإنسان ذاتيا و جماعيا . و عليه فليست الحرية شعورا عفويا تلقائيا و لا حركة مجانية ، بل فعل قصدي مشروط بقيم .
فما الشخص ؟ وأين تكمن هويته ؟ وما الذي يحدد قيمته ؟ وهل هو كائن يخضع لضرورات أم أنه شخص يمارس حرياته ؟
يؤكد الفيلسوف الفرنسي باسكال ( 1623-1662) أن تعريف الشخص ليس مسألة بديهية كما يتبادر إلى الذهن ، وإنما هو مفهوم إشكالي . وليس الشخص فكرة مجردة بل هو هذا الكائن الواقعي الحي الموجود في هذا العالم . ولا تقال لفظة شخص إلا على الإنسان وحده دون غيره من الكائنات التي تؤثث معه هذا الوجود . والإنسان شخص ويتمتع بعدة شخصيات ، واللفظتان معا مشتقتان من جذر واحد وهو كلمة personne : التي تشير إلى القناع الذي يضعه الممثل المسرحي ليتناسب مظهره مع دوره فوق الخشبة . وتتعدد الشخصيات بتعدد الأدوار ، ويظل الشخص واحدا . فالشخصية موضوع العلوم الإنسانية ويقصد بها مجموع الخصائص التي تميز الفرد في كل مرحلة من مراحل حياته. وإذا كانت الشخصية متغيرة مع الزمن ، فان الشخص هو موضوع التأملات الفلسفية وهو جوهر الإنسان الدائم . ويقصد بالشخص هذا الفرد الواقعي الواعي ، الحر، المسئول أخلاقيا وقانونيا عما يصدر عنه من تصرفات ، يمتلك إرادة و استقلالا ذاتيا و طموحات ، ويتميز بالقدرة على التعالي بذاته و تجاوز وضعه و ظروفه ، يستحق الاحترام والتقدير و لا يجوز معاملته معاملة الأشياء لأنه غاية في ذاته ؛ له حقوق يجب عليه صيانتها وواجبات عليه القيام بها . وأن يكون الإنسان شخصا هو إن يكون متميزا عن غيره أي له هوية ، فأين تكمن هوية الشخص ؟
1) الشخص و الهوية
الهوية هي ما يكون أو يظل به الشخص هو هو ، متطابقا مع نفسه ، متميزا و مستقلا عن غيره و واحدا في ذاته . ويطابق باسكال (1623_1662) بين الشخص و الأنا ، ويرى أن الأنا له صفات وهو مصدر أفعاله ، وليس الأنا هو الأفعال والصفات ، إذ إن الصفات والأفعال متعددة، متغيرة ، زائلة و قد تكون مُتَصَنَّعَة ، على حين أن الأنا واحدة تمثل حقيقة الإنسان وجوهره . وعليه فهوية الإنسان ليست في أفعاله وصفاته ، وإنما في جوهره الذي هو الأنا أي تلك اللفظة التي ينطق بها ويؤكد بها وجوده و يتبث بها تميزه ويعبر بها عن استقلاله . إنه حامل الصفات و مصدر الأفعال دون أن يكون هو هي و لا هي هو ، فزوال الصفات وتغير الأفعال لا يؤدي إلى فناء الذات .
أما جون لوك الفيلسوف الإنجليزي التجريبي (1632_1704) فيعرف الشخص بأنه الكائن العاقل القادر على تعقل الأشياء و تأمل ذاته. و يحدد هوية الشخص لامن خلال جوهره ، وإنما من خلال شعوره بما يصدر عنه من أفعال ، فهو إذن يستدل على هوية الشخص من خلال أفعاله الفكرية . فالشعور عنده هو أساس العمليات الفكرية، وأنه لاينفصل عنها وملازم لها ، و ليس الشخص كائنا مفكرا إلا لأنه يشعر أنه يفكر ، و أنه لا يُتَصَوَّر عمل فكري في غياب الشعور . و لذلك فإن الشعور ضروري و أساسي للفكر ، يصاحب على الدوام العمليات الفكرية . والذاكرة كفعل شعوري هي القدرة على استرجاع العمليات الفكرية الماضية التي يكتشف بها الإنسان أنه اليوم هو نفس الشخص البارحة رغم تغير أفعاله وأحواله و ظروف حياته .
على خلاف ذلك يرجع الفيلسوف الألماني شوبنهاور (1788-1860) هوية الشخص للإرادة لا للشعور لأنها منبع و مصدر كل الأفعال و سابقة على كل شيء. والشعور تابع بل مشروط للأفعال، والفعل متناه والإرادة لامتناهية وأن الشعور يتعب ويغفو بل ويتعرض للفقدان و يتغير بتغير الأفعال ، وهو كالذاكرة يبتلعه النسيان و يتعرض للزوال كليا أو جزئيا نتيجة تقدم العمر أو المرض أو العياء أو إصابة في الدماغ أو الحمق.. . والشخص لا يفعل بالشعور ، فالشعور ذاته يحتاج إلى إرادة ، لأنه أداة من أدواتها لا يشتغل إلا بها ، فهوية الشخص إذا هي إرادته . والإرادة جوهر الشخص و نواة وجوده ، والقوة التي بها يفعل ، والتي بها يضمن حياته وبقاءه . يقول شوبنهاور " إن الإرادة تسبق كل شيء ."
إن الإرادة والشعور كلاهما يمثل هوية الشخص ، فهوية الشخص مركبة من إرادة هي مصدر الأفعال ، وشعور هو وسيلة الإدراك والنمو . والشخص ليس فاعلا بدون إرادة ولا هو عارف ومجدد بدون شعور. إن هوية الشخص تتوقف على الإرادة و تشترط الشعور .
2) الشخص قيمة
ويستمد الشخص قيمته من هويته ، ويقصد بالقيمة ما به يحظى الشخص بالاحترام والتقدير، وليس الشخص قيمة فقط بل هو قيمة القيم إن لم يكن هو مصدر القيم . ويبرهن الفيلسوف الألماني كانط (1724-1804) على قيمة الشخص من خلال مقابلته الشخص بالأشياء . فكانط يميز بين نوعين من الموجودات : الشخص والشيء . والشيء مجرد وسيلة يمكن استعمالها و استبدالها حسب الأهواء والميول لإشباع الحاجات . فقيمة الشيء إذن راجعة إلى استعماله و استغلاله لا إلى ذاته، وهي بذلك قيمة نسبية مشروطة بالميول و الحاجات . وأن قيمة الأشياء كمية إذ تقدر بسعر(ثمن) . فالأشياء تعامل وفق المصالح والحاجات ، أما الأشخاص فالواجب التعامل معهم بحسب ما تفرضه الأخلاق، فالشخص قيمة أخلاقية مطلقة لأنه إنسان يمتلك العقل والإرادة ويحظى بالحرية ، والواجب الأخلاقي يحتم معاملته كغاية في ذاته واحترامه كقيمة مطلقة ما دام إن الانسانية تجتمع في كل شخص، و أن احترام الشخص هو احترام للإنسانية جمعاء .
أما الفيلسوف الفرنسي المعاصر جورج غوسدروف (1912-2000) فيري أن قيمة الشخص في كماله وسموه الأخلاقيين . و ليس الشخص كاملا في ذاته وإنما كماله بما يحققه في حياته الاجتماعية بما يبذله من جهد تضامني يكون به في خدمة أفراد الجماعة . فالشخص في ذاته وهم ؛ أما الشخصُ حقيقة فهو الذي ينتمي لجماعة يكتسب قيمها ويسعى لتطبيقها باحترام و يعمل على إسعاد غيره وإسعاد ذاته . وبذلك يكون كمال الشخص ليس نقطة بداية بل نقطة وصول ؛ وقيمة الشخص هنا ليست ممنوحة له مجانا من قبل غيره ، وإنما هي قيمة يكتسبها بجهود تضامنية يتجاوز بها أنانيته وعزلته . فالشخص إذا ليس قيمة في ذاته و إنما بمساهمته الخيرة في الحياة الاجتماعية .
3) الشخص بين الحرية و الضرورة
انتماء الشخص للوضع البشري يجعله كائنا خاضعا لضرورات ومحكوم بحتميات . فما هي هذه الضرورات التي يخضع لها الشخص ؟ وهل هاته الضرورات تنفي حريته ؟ فما الضرورة ؟ وما الحرية ؟ وهل الضرورة إلغاء للضرورة ؟ وهل الحرية تجاهل للضرورة ؟ أليست الضرورة تنظيما للحريات؟ أوليست الحريات تجديد وتغيير للشروط الضرورية ؟
ترى العلوم الإنسانية أن الشخص كائن مثل غيره من الكائنات الطبيعية محكوم بعوامل مادية تشرط جميع تصرفاته . وأهم هذه النظريات : السلوكية، التحليل النفسي وعلم الاجتماع . ترى السلوكية أن الشخص كائن له جهاز عصبي تصدر عنه استجاباتٌ نتيجة مؤثرات خارجية. فالمؤثرات هي عوامل تشرط كل سلوكاته ، وكلما توفرت تلك المؤثرات لزمت عنها نفس الاستجابات بحيث يمكن التنبؤ بسلوكات الشخص والتحكم فيه . وعليه فالشخص آلة مبرمجة بنظام بيولوجي ، ويمكن توجيهه و التحكم فيه .
أما التحليل النفسي لفرويد ، وان اختلف مجال بحثه ، فانه يؤكد أن الشخص جهاز نفسي يتألف من 3 قطاعات هي : الهو، الأنا والأنا الأعلى . تشير الهو إلى القوة النفسية اللاشعورية المتحكمة في كل السلوكات الواعية و الموجّْهة لها. و الأنا تمثل مجموع العمليات العقلية و الإرادية الواعية التي تجد أساسها في الهو. أما الأنا الأعلى فيمثل سلطة و قيم المجتمع الدينية و الأخلاقية التي تعمل كمستشار أخلاقي للأنا . إذا فالأنا لا يتصرف بحرية و إنما تحت ضغط عوامل خارجة عن إرادته و وعيه هي عوامل نفسية لاشعورية.
وتتصور السوسيولوجيا الشخص كائنا اجتماعيا لا حياة له إلا في مجتمع . و يعمل المجتمع عن طريق مؤسساته التربوية على تنشئة الأشخاص بزرع قيمه الثقافية فيهم بحيث أن كل الشخص لا يتصرف إلا وفق إرادة المجتمع ، فهو لا يتكلم ولا يفكر ولا يرغب ولا يلعب و لا يحلم ولا يتعبد إلا وفق ما يلزمه به النظام الثقافي لمجتمعه .
وإذا كانت النظريات العلمية بمختلف وجهات نظرها تصورت الشخص كائنا خاضعا لضرورات بيولوجية ونفسية واجتماعية ، فان الفلسفة الوجودية كما يمثلها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر(1905-1980) يبين أن الشخص مشروع أي كائن يختار مستقبله بوعي ويعمل على صنعه بحرية . فالشخص ليس هو الكائن وإنما هو ما سيكون في المستقبل . فالإنسان " يصير شخصاً " بما يختاره بوعي وبما يقوم به من أنشطة قصدية . ويختلف الإنسان عن الأشياء في كونه موجودا لذاته إذ يصنع ماهيته بحرية . يقول سارتر : " إن الإنسان لا يأتي إلى الوجود كموضوع في زمان ومكان بل كنشاط مستمر للحرية ". فالشخص ليس سجين الوضع لأنه حقل من الإمكانات يختار إحداها بشكل ذاتي ويعمل على تحقيقها للمستقبل . انه لا يستسلم للشروط ولا يتركها تتحكم فيه بل يسعى للتحكم فيها لبناء ذاته بالتعالي عليها وفق مشروع من اختياره وعمله . فالشخص إذا ليس محكوما بماضيه ، و إنما رهين مستقبله . ولو كان مقيدا بالماضي لما كان بإمكانه اختيار مستقبله ، وهو إذ يختار ما سيكونه فإنه يعدم ماضيه و يتجاوز وضعيته .
أما الفيلسوف إيمانويل مونيي(1905-1950) رائد الشخصانية في فرنسا ، فإنه اعتبر أن الشخص ليس كائنا مجردا بل هو هذا الفرد الواعي الحر المتعين الذي يحيا في هذا العالم و يتشرب قيمه و يخضع لقوانينه . و لذلك فالشخص كائن حر في وضع طبيعي و بشري ، فلا ضرورات الوضع تلغي الحرية و لا الحرية تتجاهل الضرورات . و عليه فالعلاقة بين الحرية و الضرورة هي علاقة تلازم لا علاقة تعارض ، بحيث تكون ضرورات الوضع شروطا مُنَظِّمَة و محددة للحريات لا نفيا لها ، و تكون الحرية أنشطةً تُمارس بوعي و فاعلية في ظل تلك الشروط . فالشخص مُلْزَمٌ بالقبول بضرورات الوضع لا للخضوع لها و الاستسلام لسلطتها بل للارتكاز عليها لاعتمادها أساسا لتحديد اختياراته و ممارسة حرياته و بناء ذاته . إنه كائن يتشخصن في ظل ظروف يحولها من عوامل معيقة إلى شروطا تسمح له ببناء ذاته . و بهذا تكون حرية الشخص مُبَادَرَةٌ أي فعل واع و مُنَظَّم يتفتح به على الكون و الإنسانية ، يملأ به وجوده الذاتي ويزدهر به المجتمع وتنتظم به الحياة و يحقق به قيمته ... و هذا أمر غير ممكن إلا بالقدرة على الاختيار و الاستطاعة على تخطي الحواجز و التضحية من أجل قيم رفيعة تلبية لنداء روحي و استجابة لرسالة إنسانية . إنها الفعل الذي به تشخصن الإنسان ذاتيا و جماعيا . و عليه فليست الحرية شعورا عفويا تلقائيا و لا حركة مجانية ، بل فعل قصدي مشروط بقيم .
hager el fezazi- عدد المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 06/12/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى