منتدى الفلسفة ـ المدرسة العليا للأساتذة - فــــــــاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

درس التاريخ

اذهب الى الأسفل

درس التاريخ Empty درس التاريخ

مُساهمة  hager el fezazi الخميس مارس 18, 2010 1:42 pm

التــاريــخ الإنسان في الوضع البشري شخص يتفاعل مع الغير و له ماض تُؤثِّرُ أحداثُه الحية في تكوين هويته و تأطير علاقاته و تحديد قيمته و مصيره . فالإنسان إذن كائن تاريخي يتأثر بماضيه و يسعى لمعرفته ، و يستشرف في ضوء ذلك مستقبله و يعمل على تحقيقه . إنه يتأثر بما أنجزه السَّلَف و سوف يؤثر بما يفعله هو في الخَلَف . و يبدو أن كلمة التاريخ تحمل عدة معان : فهي من جهة تدل على الماضي و ما وقع فيه من أحداث ، و من جهة ثانية المعرفة بذلك الماضي ، و من جهة ثالثة قدرة الإنسان على تجاوز الماضي و صنع المستقبل . فما التاريخ ؟ وهل يمكن قيام معرفة علمية بالتاريخ ؟ ومن يتولى قراءة التاريخ : المؤرخ أم الفيلسوف ؟ و كيف يتحرك التاريخ ؟ و ما هي القوة الفاعلة و المحركة للتاريخ ؟




1) المعرفة التاريخية :

يرى المفكر المغربي المعاصر عبد الله العروي أن قراءة التاريخ عمل مشترك بين المؤرخ و الفيلسوف ، فكيف ينظر كل منهما للتاريخ ؟ إن المؤرخ يهتم بالأحداث العابرة ( هذه الحرب أو تلك لا الحرب بصفة عامة ، كالحرب العلمية الأولى مثلا ) ، أما الفيلسوف فينشغل بالبحث عن القوانين الدائمة التي تحكم تاريخ البشرية ككل ( القانون العام الذي يجعل البشر يتحاربون مثلا ) . فالمؤرخ يبحث عن تسلسل و تعاقب الأحداث في زمان و مكان معينين ؛ أما الفيلسوف فيتساءل عن القانون العام الذي يحكم وقوع الأحداث . لكن الاختلاف بينها لا يعني تعارضهما بل تقاطعهما و تكاملهما . فكل طرف يستفيد من عمل الآخر : فالمؤرخ يحتاج إلى نظرة فلسفية توجه عمله وتمكنه من فهم الحدث الجزئي في إطاره العام ، و الفيلسوف يتوقف على معطيات تاريخية تسند نظريته لتأكيد مصداقيتها . ويؤكد هذه الفكرة الفيلسوف و عالم الرياضيات الفرنسي دالمبير jean le rond D’ALEMBERT (1717-1783) بقوله : ‘‘ أن علم التاريخ عندما لا يكون مُضَاءً بنور الفلسفة يكون في مُؤَخّْرة المعارف الإنسانية ’’.

التاريخ أحداث مضت و لم يعد لها وجود ، لكن أثرها لا زال مستمرا يفعل فعله في الحاضر و يمتد نحو المستقبل . فالتاريخ إذا هو ماضي انقضى و ولى و لم يعد موجودا كأحداث و إنما كآثار، و المعرفة التاريخية هي الوعي بهذا الماضي . فكيف يمكن استعادة و استرجاع هذا الماضي ؟

يمكن استعادة الماضي انطلاقا من المصادر التاريخية (وثائق و آثار ) التي خَلَّفَها السابقون كشاهد على ما حدث لهم و ما أنجزوه . لكن الوثائق ليست تاريخا و إنما شاهد عليه .‘‘ فالتاريخ يُصْنَعُ بالوثائق ، و حيث لا وثائق لا تاريخ ’’. فكيف يستعيد المؤرخ الوقائع التاريخية من الوثائق ؟ ليست المعرفة التاريخية جاهزة في الوثائق ، و إنما هي عملية بناء منهجي ينجزها المؤرخ انطلاقا من وثائق و اعتمادا على منهج و تأسيسا على موقف يلتزم به المؤرخ . لكن عملية البناء هاته تعترضها عدة عوائق . فما هي هذه العوائق ؟ وكيف يكمن تجاوزها ؟

ثمة صنفان من العوائق : عوائق تتعلق بالمادة التاريخية أي الوثائق ، و عوائق تتعلق بذاتية المؤرخ . فالوثائق ليست تسجيلا كاملا لما حدث ، و أن بعض ما وقع لم يتم تدوينه . و أن بعض الوثائق نَقَلَتْ بعض ما وقع و سكتت عن بعض و شوَّهت بعضها الآخر و أن بعضها كان اختلاقا لأحداث و ربما نسبت أدوارا تاريخية لأشخاص لم يكن لها دور . و هذا ما يجعل الوثائق ليست تسجيلا أمينا و صادقا و موضوعيا. فالوثائق لا تخلو من مواقف أصحابها ، بحيث تكون تعبيرا عن موقف لا وصفا لما وقع . و أن الوثائق حول موضوع واحد تكون متعارضة و متضاربة . وأن الوثيقة الواحدة قد تقرأ بحسب مواقف المؤرخين عدة قراءات مختلفة ، و قد يعاد قراءتها في ضوء اكتشاف وثائق جديدة أو تلبية لحاجات العصر (القراءة الوطنية – القراءة الاستعمارية ....) إضافة إلى كل هذا فإن بعض الوثائق تعرضت للتلف و الضياع ، و أن بعضها ليس في متناول المؤرخين ... أما العوائق المتعلقة بذاتية المؤرخ فتتجلى في كون المؤرخ ذاتٌ لها إيديولوجيتها (خلفياتها الحضارية – معتقدها الديني و موقفها المذهبي – و توجهاتها السياسية و الاقتصادية –انتماؤها الطبقي – وانتسابها الوطني - تحيزها العرقي – ميولاتها العاطفية....) . و يقترح الفيلسوف الفرنسي بول ريكور paul RICOEAR (1913-2005) لتجاوز هذه العوائق اعتماد منهج علمي يقوم على جملة خطوات وهي : الملاحظة و المساءلة والاستنطاق و إعطاء الوثائق دلالات و بالتالي إعادة بناء الواقعة التاريخية . إن اعتماد هذا المنهج يمكن المؤرخ من فحص الوثائق و التأكد من صدقيتها و الربط فيما بينها و ملء الفراغ الذي تتركه و إضفاء المعقولية عليها . و إذا كان المؤرخ ينتمي للحاضر فهل يمكنه بواسطة هذا المنهج معرفة الماضي كما يعرف الحاضر ؟ يجيب عالم الاجتماع الفرنسي أرييل آرونARON Ariel (1905-1983) إن المعرفة بالماضي تختلف عن المعرفة بالحاضر . فالمعرفة بالحاضر هي معرفة تلقائية عفوية بما نعيشه أي بالعالم المحيط بنا ، أما المعرفة بالماضي فهي معرفة غير مباشرة تقتضي جهدا منهجيا لإعادة بناء ما لم نعشه أي عالم الذين عاشوا قبلنا . إذن فعلمية الدراسات التاريخية هي نتيجة ممارسة منهجية يماثل فيها عملُ المؤرخ عملَ الفيزيائي .
إن اعتماد هذا المنهج يمكن فعلا من تجاوز العديد من الصعوبات لا كلها ، الأمر الذي يُبْقِي المعرفة التاريخية معرفة نسبية و ناقصة .

لم تكتف المعرفة التاريخية بفهم الماضي البشري بل سعت أيضا إلى التساؤل عن إيقاع حركة التاريخ ، فكيف يتحرك التاريخ ؟

2)- التاريخ و فكرة التقدم :



الغاية من معرفة الماضي هي المعرفة بالمنطق الذي يتحرك وفقه التاريخ ، و ذلك لاستشراف المستقبل . يعتقد البعض أن التاريخ تقدم ، فما التقدم ؟ وهل التقدم هو القانون الوحيد الذي يحكم حركة التاريخ ؟

التقدم حركة نمو متزايد يَفْضُلُ فيه اللاحقُ السابقَ و يزيدُ عليه ، و يسير نحو بلوغ الكمال . إنه مفهوم يفترض انسجام و تجانس حركية التاريخ ، يستبعد الصدفة و المفاجأة ، و ينهض على الحتمية التي يمكن في ضوئها توقع المستقبل .

يربط كارل ماركس (1817-1883) تاريخ الإنسان بعملية الإنتاج ، و الإنسان إذ ينتج حاجاته ينتج ذاته و شروط حياته و بالتالي يصنع تاريخه . و لقد عرف الإنسان حتى الآن تعاقب 5 أنماط إنتاج ، و هي : نمط الإنتاج المشاعي البدائي – نمط الإنتاج العبودي – نمط الإنتاج الإقطاعي – نمط الإنتاج الرأسمالي و أخيرا نمط الإنتاج الاشتراكي . و أن الانتقال من نمط إنتاج إلى النمط الذي يعقبه يتم نتيجة تناقض علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج ، الذي يُعَبِّر عنه الصراعُ الطبقي . و أن هذا الانتقال تم تدريجيا و وفق شروط موضوعية نحو الكمال ، بحيث يكون فيه اللاحق أرقى من السابق ، و أن الآتي سوف يكون بالضرورة أسمى . و عليه فإن القول بالتقدم يعني أن للتاريخ نهاية ، و نهاية التاريخ عند الماركسية هي قيام نمط إنتاج غير طبقي هو النظام الشيوعي . يفهم من هذا أن التقدم عند ماركس هو منطق التاريخ .

غير أن مفهوم التقدم تعرض على يد نظريات فلسفية لعدة انتقادات ، مادام أن التاريخ نفسه يقدم الدليل على أن مجتمعات شهدت تأخرا (المجتمعات الإسلامية ) ، و أخرى لا زالت تعرف ركودا ( المجتمعات البدائية حاليا ) ، و أن حضارات تفككت و انهارت و لم يعد لها وجود . و لقد عرف التاريخ أيضا مفاجآت و اضطرابات و أحداثا عرضية إذ لم يحدث فيه ما كان متوقعا ، و حدث فيه ما لم يكن منتظرا . إذا فالتاريخ يعرف سخونة و برودة ، و أن حركته ليست منتظمة و لا محددة سلفا ، و لا تسير بالضرورة نحو الكمال ، و أن ليس للتاريخ نهاية محددة . و عليه فلا توجد حتمية مطلقة في التاريخ . و يؤكد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) هذا بقوله : ‘‘ إن ما يجري الآن ليس بالضرورة أفضل مما كان يجري من قبل و أجود منه إنشاء أو وضوحا .’’ . و يؤكد غرامشي (1891-1937) نفس الشيء بقوله : ‘‘ الصيرورة مفهوم فلسفي يمكن أن يخلو من معنى التقدم . إن التقدم مرتبط بالمفهوم الساذج للتطور .’’

و لذلك يرى البعض أن التقدم مفهوم إيديولوجي نادت به و تحمست له الطبقة البورجوازية ، و رأت فيه مصلحتها و علقت عليه آمالها لتنزع عن الماضي بهاءه و مَجْدَهُ ، و تقضي على تلك الأسطورة التي تقول بماض ذهبي عرفته الإنسانية ، و عليها أن تَحِنَّ إليه حنينا متواصلا ، و أهم الانتقادات الموجهة لفكرة التقدم هي :

التقدم فكرة معيارية تحمل حكما تقديريا ، تعبر عن رغبة الطبقة البورجوازية ، و ادعاء انتصارها بأن المجتمع الحالي أفضل من السابق . إنه مفهوم ذو نزعة تبريرية تخلط بين الرغبة و الواقع .
إن فكرة التقدم ليست عامة و كلية صالحة لتفسير كل حركة التاريخ الإنساني .
إنه مفهوم ذو صلاحية قطاعية لا يمكن أن ينسحب على التاريخ برمته : لا يهم كل المجتمعات ، و لا كل القطاعات . يقول ماو تسي تانج (1893- 1976) : ‘‘ ليس في العالم شيء يتطور دائما بطريقة متكافئة ’’.
إنه مفهوم لا ينفصل عن فكرة نهاية التاريخ ، يفترض غائية و حتمية يمكن في ضوئهما توقع الأحداث بكل دقة و لا تترك للصدفة أو المفاجأة مجالا .
إنه مفهوم يهمل الجزئيات لصالح وفائدة الكل .
غير أن مشروعية فكرة التقدم توجد في كونها موجهة لطموح الإنسانية في سبيل تجاوز مظاهر التخلف .

و في نفس السياق يؤكد الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو- بونتي (1908-1961) أن منطق التاريخ (التقدم ) ليس سوى إمكانية ضمن إمكانيات أخرى . فلقد عرف التاريخ بالإضافة إلى التقدم تأخر مجتمعات و ركود أخرى و انهيار ثالثة .... وأن قطاعات اجتماعية تقدمت في حين أن قطاعات أخرى عرفت ركودا أو تراجعا ، و أن أحداثا حصلت فجأة ، الشيء الذي يدل على أن التاريخ تتخلله انحرافات و قفزات و مفاجآت و ركود و تراجعات و تخلف و انحطاط أي أن حركة التاريخ ليست محددة سلفا و أن ليس للتاريخ هدف معين يسير نحوه . إذا فحركة التاريخ غير متجانسة أي عرضية ، لكنها لا تتعارض مع منطق التاريخ و لا تلغيه . و لذلك صار منطق التاريخ (أي فكرة التقدم ) مجرد إمكانية ضمن إمكانيات أخرى . و هذا ما يجعل حركة التاريخ سيرورة مفتوحة على كل الاحتمالات .

3 )- دور الإنسان في التاريخ :

تقودنا فكرة حركية التاريخ إلى طرح السؤال التالي : أي دور يقوم به الإنسان في التاريخ ؟

يقارب الفيلسوف المثالي الألماني هيجلHEGEL (1770-1831) هذه الإشكالية من خلال نقده للتصور المتداول و المألوف للتاريخ الذي يقول أن أبطال و عظماء التاريخ (رجال الدولة و السياسة و رجال الاقتصاد و الأعمال و القادة العسكريون و العباقرة من العلماء و الأدباء و الفنانين ...) هم الفاعلون الحقيقيون في التاريخ . غير أن هيجل يرى أن التاريخ ليس أحداثا متعاقبة بل إنه حركة روح موضوعية كلية . فهذه الروح نشيطة توجد في صيرورة تفصح عن ذاتها في أفكار يعتنقها العظماء ، كل في مجاله و في المرحلة التاريخية التي يوجدون فيها ، و يعملون على انجازها بحيث أن اللاحق يواصل ما انتهى إليه السابق . و عليه فالتاريخ هو تاريخ أفكار لا تاريخ أشخاص ، فالأشخاص يتساقطون مع الزمن ، أما الأفكار فتواصل تقدمها و نموها . و ليس الأشخاص سوى أدوات و وسائل في يد الروح تسخرهم في صيرورتها نحو المطلق .

إذا فالتاريخ ماكر يظهر لنا أن الأبطال هم صناع التاريخ لكنهم في الحقيقة مجرد أدوات مسخرة . فالأشخاص مثلا ليسوا أحرارا إلا بالانتماء لفكرة الحرية و النضال من أجلها . و هكذا كل واحد من المناضلين يكافح و يعتقل و يُعَذَّبُ و يموت من أجلها ، و يواصل الجيل الذي بعده العمل من أجل نموها . فهم يتساقطون لكنها هي تستمر نامية مع الزمن .

أما جان بول سارتر( 1905-1980) الفيلسوف الوجودي الفرنسي فيعارض التصور الهيجيلي مؤكدا أن ليس للتاريخ من فاعل ما عدا الإنسان ، فالإنسان ليس أداة في يد روح كونية لا وجود لها . كما أنه ينتقد التصور الماركسي الذي يؤكد أن الإنسان في فاعليته التاريخية محكوم بشروط موضوعية ، الأمر الذي يجعل منه آلة في يد قوى غير بشرية . يقول سارتر : ‘‘ الإنسان هو الكائن الذي يملك إمكانية صنع التاريخ ’’. ليس الإنسان أداة بل فاعلا تاريخيا له مشروع ذاتي يسعى بوعي و حرية لانجازه . فتاريخية الإنسان لا في كونه يحمل ماض حي بل في كونه يصبو نحو المستقبل عن طريق الممارسة . فالممارسة هي فعل الذات الواعي الحر القصدي و الخلاق لتحقيق مشروعها الذاتي . و الممارسة نفي و إبداع : نفي و تجاوز الوضعية التي يوجد فيها ، و إبداع ذاته كمشروع مستقبلي. فالإنسان ليس نتيجة الظروف ، بل إن الظروف نفسها من إنتاجه ، إنه الفاعل الحق للتاريخ . يقول سارتر : ‘‘ إن الأساسي ليس هو ما صُنِعَ بالإنسان ، بل صَنَعَهُ هو بما صُنِعَ به ...أما ما يَصْنَعُهُ الإنسانُ فهو التاريخ ذاته ، هو التجاوز الواقعي لهذه البنيات عن طريق ممارسة جامعة . ’’

لم يبق التاريخ مع سارتر مجالا للضرورة ، بل مجالا للحرية يحقق الإنسان فيه ذاته على الدوام كمشروع . و عليه فتاريخية الإنسان لا في كونه مشروطا بأحداث الماضي فقط ، وإنما أيضا في قدرته على صنع ماهيته بأن يقذف بنفسه نحو المستقبل كمشروع ذاتي .
hager el fezazi
hager el fezazi

عدد المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى